محاصرة البابيين فى قلعة طبرسى و استشهاد باب الباب

بعد انفضاض مؤتمر بدشت وتفرق المؤمنين وتشتتهم نتيجة المصادمات، وبينمـا كان بعضهم ما يزال في قرية نيالا، وصلتهم الاخبار وهم مازالوا في الطريق عن محاصرة باب الباب في طبرسي. كان حضرة القدوس قد وصل الى مدينته بارفروش وقت وصول الاخبار، وحالما استطاع الخروج، أسرع الى باب الباب وبدأ بمساعدته في تنظيم القلعة لتكون جاهزة للحصار(6). ولحسن الحظ، ان الحصار بدأ في الوقت الذي ذهب غالبية ضباط الجيش الى طهران لحضور حفلة تتويج جلالة الامبراطور ناصر الدين شاه في 20 أكتوبر 1848، وخلال هذا الوقت تمكن الرجال في طبرسي من تحويل هذا القصر الى ما يعرف اليوم بإسم “قلعة طبرسي”.

حالما سمع المؤمنون عن هذه المصيبة الخطيرة التي وقعت على باب الباب وأتباعه، نهضوا من فورهم للتوجه اليها ومن أبعد مقاطعات ايران بل وحتى من العراق في محاولة للوصول الى هذه البقعة المهلكة. وكانوا يعلمون بالتأكيد انه بعد وقت قليل، ان كل فرد من تلك العصبة المخلصة في قلعة طبرسي سيسقط أمام مدافع الأعداء. فماذا كان يرى البابيون المسرعون الى القلعة في خيالهم؟ أو هل تذكرون نبوءة حضرة القدوس في رسالته عن الموت القادم؟ على كل حال لا أحد منكم او من القراء يشك بإخلاص ووفاء هؤلاء الأتباع، لأن ما لاقوه كان فوق تحمل البشر تمامـاً.

ويقال ان جناب الطاهرة عند سماعها بمصيبة باب الباب قررت الذهاب الى القلعة لمساعدتهم بتنكرها بلباس رجل. إلا ان حضرة بهاءالله طالبها بعدم فعل ذلك. وقال لها: قبل كل شيء ستفشلين في الوصول، وفوق ذلك ان الحرب والقتال لا تناسب أي فرد، وخاصة النساء. إضافة الى ان هناك ظهور جديد يأمر بالابتعاد عن الحروب.

من هذا يستطيع المرء ان يرى انه حتى قبل اعلان حضرة بهاءالله لدعوته كان قد وضع الاساس لمبدأ تجنب الحرب. وحالما أعلن حضرة بهاءالله أمره في بغداد 1863، منع الكلام عن الانتقام او القتل لحماية النفس. وهكذا كانت قوة كلماته الخلاقة. فمنذ ذلك اليوم ولحد الآن لم يقتل البهائيون أحداً انقاذاً لأنفسهم او بهدف الانتقام. لا يمكن للعالم ان يظهر تسجيلاً أكثر جمالا من الطاعة لهذا الأمر أكثر من القائمة الطويلة من الشهداء البهائيين. ان البطولة والمحبة والشهامة والفرح التي قدّم بها الاتباع حياتهم، هي واحدة من أعظم الاثباتات التي تدل على ان الظهور البهائي هو كلمة الله الى البشرية بهذا الدور العالمي.

ان البابيين في السنوات الست تلك، كانوا يعلمون فقط الطريقة القديمة في الدفاع عن النفس ولم يملكوا سوى فرصاً قليلة للتعلم من حضرة الباب. ومع انهم اقتبسوا قليلا من المباديء الجليلة، فقد وهبوا أرواحهم بكامل المحبة، لا من أجل أنفسهم بل من أجل الأمر المبارك. ولم يكن لديهم الوقت الكافي للتعلم من حضرة الباب، فقد كان سجيناً وبعيداً عنهم جميعاً منـذ أول اعلان دعوته، ما عدا تلك الأشـهر القليلة التي عاشها في اصفهان. ومن يدري فمن المحتمل انها كانت كلها كذلك. ان نظام حضرة الباب كان لإجتثاث العادات القديمة. ان هؤلاء المؤمنين الأوائل بتعاليم حضرة الباب، بإستشهادهم الخالد، أجبروا العالم النائم الغارق في سباته على النهوض والانتباه لظهور المظهر الإلهي القادم والمعلم الالهي الجديد للعالم أجمـع.

وقال عبد البهاء في نفس الكتاب (تذكرة الوفاء) ان جناب الطاهرة أعْتُرِضَتْ وهي في طريقها من بدشت الى طهران وأعتقلت وأرسلت الى العاصمة تحت حراسة مجموعة من الغوغاء ثم سجنت فيما بعد في بيت محمود خان كلانتر (رئيس الشرطة).

وكتب الحاج ميرزا جاني، ان حضرة بهاءالله وميرزا جاني نفسه وعدد آخر من المؤمنين حاولوا الوصول الى قلعة طبرسـي لتقديم المسـاعدة. وكان معهم أربعة الآف تومان (أربعة آلاف دولار تقريبا) وأغراض ومنقولات أخرى. وكما جاء في “مطالع الأنوار”، في بداية ديسمبر 1848م (محرم 1265هـ)، أوفى حضرة بهاءالله بوعده الذي أعطاه الى باب الباب وتحرك من نور مع عدد من أصدقائه متوجها الى قلعة طبرسي. وكانت رغبته في الوصول الى هدفه أثناء الليل، ولم يرغب في التوقف أثـنـاء الرحلة، إلا ان أصحابه طالبوه ببضع ساعات من الراحة، ورغم انه كان يعلم ما يسببه هذا التأخير من مخاطر كبيرة وان العدو سوف يفاجئهم، فقد وافق على طلبهم، مما أدى الى إلقاء القبض عليهم جميعاً. وجاء في رواية اخرى انهم عندما كانوا يبعدون مسافة ستة أميال عن قلعة طبرسي، ألقي القبض عليهم من قبل الضباط الملكيين. فضربوا وأخذوا الى المعسكر لقتلهم. ولكن، بما ان حضرة بهاءالله كان ينحدر من أسرة معروفة من مازندران، فقد قدّم له بعض الضباط الملكيين حمايتهم، وأرسلوه الى بارفروش (آمل) حيث عانى من البلاء والأذى ما يعجز الوصف عنه. فإشترى تاجران من كاشان موطن ميرزا جاني حرية المساجين بالمال.

لقد حاول الأصحاب في طهران ثني عزيمة ميرزا جاني عن الذهاب الى طبرسي، إلا انه أجابهم: “سوف أستشهد في قلعة طهران، ورغم انه سيلقى القبض عليّ في هذه الرحلة إلا انه سيطلق سراحي. علاوة على ذلك، ليس هناك سبب أخجل منه يمنعني من الذهاب، وسأذهب بكامل ارادتي!”(7).

وقال حضرة عبدالبهاء في “تذكرة الوفاء”، ان رغبة حضرة بهاءالله كانت في الذهاب الى نيالا ثم الى قلعة طبرسي، الا ان حاكم آمُـل سمع عن ذلك وجاء الى نيالا بصحبة سبعمائة مسلح وحاصر حضرة بهاءالله واعتقله ثم أرسله مخفورا مع أحد عشر فارساً من الشرطة الى آمُل. وفي آمُل تعرض حضرته للتعذيب ثم ارسل الى العاصمة.

وأرى انه لا يمكنني ان أغلق ملف بدشـت بدون أن أخبركم عن مؤمن آخر كان حاضراً في مؤتمر بدشت (أول مؤتمر بهائي) وهو الحاج الملا اسماعيل من قـم، وهو رجل دين من كربلاء استشهد في النهاية في طهران سنة 1852. فعندما طلب منه الجلادون هو وزملائه السجناء البابيين إنكار دينهم او مواجهة القتل، قال لجماعتـه: “من ناحيتي، فأنا عازم على الاعتراف بإيماني وتقديم حياتي له، لأننا اذا فشلنا في الاعلان عن ظهور القائم، فمن ذا الذي سيفعل ذلك؟ واذا فشلنا بتوجيه الناس الى الطريق الصحيح، وتمزيق حجبات الغفلة، وإيقاظهم من سباتهم وغفلتهم، وتوضيح تفاهة هذا العالم الفاني لهم وتقديـم شهادة فعلية عن حقيقة هذا الدين المقدس السامي، فمن سيفعل ذلك؟ فليتقدم اذن من يتمكن من انجاز هذه المهمة بكل شجاعة ويصحبني!” فتقدم سبعة من رفاقه المؤمنين المخلصين حسب ما جاء في كتاب “التاريخ الجديد”، وفدوا أنفسهم واستشهدوا في طهران. وكان أحدهم هو الحاج ميرزا سيد علي، خال حضرة الباب الخالد الذي تعهد بتربيته منذ طفولته والذي كان دائما من أخلص أتباعه. ان شهداء طهران السبعة دخلوا التاريخ ومن المحتمل ان الهامات هذا الاخلاص الفذ قد جاءت من ذلك الاجتماع في بدشت! لهذا فإن المؤمنين الذين اجتمعوا في بدشت قد أعلنوا عن القائم بأرواحهم!

الأوسمة: , , , , , , , , , , ,

أضف تعليق